تاريخ أنظمة التشغيل: كيف تطورت من الماضي إلى الحاضر وما الذي يشغّل العالم اليوم؟
عند تشغيل أي جهاز، أول ما يبدأ بالعمل ليس البرنامج ولا التطبيق، بل نظام التشغيل.
لكن كيف وصلنا من أجهزة كانت تعمل بأوامر ورقية إلى أنظمة تشغّل مليارات الهواتف والخوادم حول العالم؟
هذا المقال يأخذك في رحلة زمنية دقيقة لفهم تطور أنظمة التشغيل، الأنظمة التي تهيمن اليوم، وإحصائيات وحقائق قلّما يتم الحديث عنها.
ما هو نظام التشغيل ولماذا هو عنصر حاسم؟
نظام التشغيل هو الطبقة البرمجية الأساسية التي تدير العتاد (Hardware) وتسمح للبرامج والمستخدم بالتفاعل مع الجهاز.
بدونه، لا يمكن للمعالج، الذاكرة، أو وحدات التخزين أن تعمل بشكل منظم.
المهام الأساسية لأي نظام تشغيل
- إدارة المعالج والذاكرة
- تنظيم العمليات (Processes)
- التحكم بالأجهزة الطرفية
- توفير واجهة استخدام
- إدارة الأمان والصلاحيات
هذه الوظائف لم تظهر دفعة واحدة، بل تطورت تدريجيًا عبر عقود.
المرحلة الأولى – ما قبل أنظمة التشغيل (1940 – 1955)
في بدايات الحوسبة، لم يكن هناك شيء اسمه نظام تشغيل.
كانت الحواسيب تعمل عبر:
- توصيل أسلاك يدويًا
- إدخال أوامر مباشرة للعتاد
- تشغيل برنامج واحد فقط في كل مرة
كانت الأجهزة مثل ENIAC تُستخدم لأغراض علمية وعسكرية، وكل تغيير في البرنامج يتطلب ساعات من الإعداد اليدوي.
أنظمة التشغيل البدائية (1955 – 1965)
مع ظهور الحواسيب التجارية، بدأت الحاجة لتنظيم التشغيل.
أبرز التطورات
- أنظمة Batch Processing
- تنفيذ مجموعة أوامر دون تدخل المستخدم
- استخدام البطاقات المثقوبة (Punch Cards)
عصر المشاركة الزمنية (1965 – 1975)
ولادة مفهوم تعدد المستخدمين
ظهرت فكرة Time Sharing، حيث:
- يعمل أكثر من مستخدم على نفس الجهاز
- يتم تقسيم وقت المعالج بينهم
أنظمة بارزة
- MULTICS (مشروع مشترك بين MIT و Bell Labs)
- أنظمة IBM Mainframe
هذا العصر وضع الأساس لأنظمة التشغيل الحديثة.
ولادة UNIX وتغيير قواعد اللعبة (1970 – 1985)
في عام 1969، ظهر نظام UNIX داخل مختبرات Bell Labs.
لماذا كان UNIX مختلفًا؟
- مكتوب بلغة C (قابل للنقل)
- بنية معيارية
- دعم تعدد المهام والمستخدمين
- فلسفة "برنامج صغير يؤدي مهمة واحدة بإتقان"
أثر UNIX
- الأساس الذي بُني عليه Linux و macOS
- مستخدم في الجامعات ومراكز الأبحاث
- غيّر طريقة تصميم أنظمة التشغيل للأبد
أنظمة التشغيل للحواسيب الشخصية (1980 – 1995)
MS-DOS
- واجهة نصية
- تحكم مباشر بالملفات
- محدودية في تعدد المهام
Windows المبكر
- واجهة رسومية
- سهولة استخدام
- توسع سريع في الاستخدام المنزلي
في نفس الفترة، ظهر Mac OS بواجهة رسومية متقدمة نسبيًا، مستهدفًا المستخدم النهائي.
Linux – النظام الذي أعاد تعريف الحرية (1991 – حتى الآن)
في عام 1991، أعلن لينوس تورفالدس عن نواة Linux.
لماذا Linux مختلف؟
- مفتوح المصدر
- مرن وقابل للتخصيص
- أساس أغلب أنظمة الخوادم
يُستخدم Linux في
- الخوادم
- الهواتف
- الحواسيب المضمنة
- الفضاء والأبحاث العلمية
Linux ليس نظامًا واحدًا، بل عائلة ضخمة من التوزيعات.
أنظمة التشغيل للهواتف الذكية (2007 – حتى الآن)
iOS
- أُطلق مع أول iPhone عام 2007
- مغلق المصدر
- تركيز على الأداء والأمان
Android
- مبني على نواة Linux
- مفتوح المصدر جزئيًا
- يعمل على مليارات الأجهزة
اليوم، أكثر من 70٪ من أجهزة العالم الذكية تعمل بنظام يعتمد على Linux.
ما هي أنظمة التشغيل التي تشغّل العالم اليوم؟
إحصائيات تقريبية عالمية
- Windows: مهيمن على الحواسيب المكتبية
- Linux: يشغّل أكثر من 90٪ من الخوادم السحابية
- Android: النظام الأكثر استخدامًا على الإطلاق
- iOS: مسيطر على الفئة العليا من الهواتف
- macOS: مستخدم بكثرة في مجالات التصميم والتطوير
معلومة غير مشهورة
كل حاسوب فائق (Supercomputer) في قائمة TOP500 يعمل بنظام
Linux.
أنظمة تشغيل لا يراها المستخدم
ليست كل أنظمة التشغيل مرئية للمستخدم.
- أنظمة تشغيل الطائرات
- أنظمة التحكم الصناعية
- أنظمة السيارات الذكية
- أجهزة التوجيه (Routers)
غالبًا ما تكون:
- مخصصة
- خفيفة
- مبنية على نواة Linux أو RTOS
حقائق تقنية غير منتشرة عن أنظمة التشغيل
- نظام Android يستخدم نواة Linux لكنه ليس توزيعة Linux تقليدية
- UNIX ما زال مستخدمًا في أنظمة مصرفية قديمة
- Windows يعتمد داخليًا على مفاهيم مستوحاة من VMS
- macOS مبني على نواة Darwin المشتقة من UNIX
- أنظمة التشغيل الحديثة تحتوي ملايين الأسطر البرمجية
الخاتمة
أنظمة التشغيل لم تتطور دفعة واحدة، بل عبر تراكم طويل من الأفكار، الأخطاء، والابتكارات.
من أجهزة بلا واجهة إلى أنظمة تشغّل العالم الرقمي، يبقى نظام التشغيل هو القلب الخفي لكل تقنية نستخدمها اليوم.
فهم هذا التاريخ يمنح نظرة أعمق لطبيعة التقنية التي تحيط بنا.
